فصل: السلطان يغضب لعبد الباسط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وفي شوال هذا قدم على السلطان الخبر من بغداد على يد قاصد كان السلطان وجهه قبل ذلك لكشف أخبار الشرق وأخبر‏:‏ أن أصبهان بن قرا يوسف لما ملك بغداد من أخيه شاه محمد بن قرا يوسف أساء السيرة بحيث إنه أخرج جميع أهل بغداد منها بعيالهم بعد أن أخذ جميع أموالهم من جليل وحقير فتشتتوا بنسائهم وأولادهم في نواحي الأقطار وصارت بغداد ليس بها سوى نحو ألف رجل من جند أصبهان المذكور لا غير وأنه لم يبق بها سوى ثلاثة أفران تخبز الخبز فقط ولم يبق بها سكان ولا بيعة ولا أسواق‏.‏

فكان فعل أصبهان هذا أقبح من فعل أخيه شاه محمد فإن شاه محمد لما تنصر ومال إلى دين النورانية قتل العلماء وأباد الفقهاء والصلحاء لا غير وترك من دونهم‏.‏

فجاء هذا الزنديق الفاسق تجاوز فعل شاه محمد من أنه أخرج جميع أهل بغداد وكان غرض أصبهان بذلك أن يخرب بغداد حتى لا يبقى لأخيه إسكندر ولا غيره طمع فيها فمد يده في ذلك حتى صارت بغداد خرابًا يبابًا لا يأويها إلا البوم انتهى‏.‏

قال‏:‏ وإنه أخرب أيضًا الموصل حتى صارت مثل بغداد وأعظم من أنه سلب نعم أهلها وأمر بهم فأخرجوا منها وتمزقوا في البلاد واستولت عليها العربان فصارت الموصل منزلة من منازل العرب بعد أن كانت تضاهي دار السلام‏.‏

قال أعني القاصد‏:‏ وان أصبهان أيضًا أخذ أموال أهل المشهد وأزال نعمهم وتشتتوا في البلاد‏.‏

قلت‏:‏ لا أعلم في طوائف التركمان ولا في أوباش عساكر جغتاي ولا في جهال التتار أوحش سريرة ولا أقبح طريقة ولا أسوأ سيرة ولا أضعف دينًا ولا أعدم مروءة ولا أقل نخوة ولا أبشع خبرًا من هؤلاء الزنادقة الكفرة الفسقة أولاد قرا يوسف‏.‏

وعندي أن النصارى أمثل من هؤلاء فإنهم متمسكون بدين على زعمهم وهؤلاء زنادقة لا يتدينون بدين كفرة ملحدون‏.‏

حدثني الأمير علي باي المؤيدي العجمي رحمه الله بعد عوده من عند أصبهان المذكور لما أرسله السلطان الملك الظاهر جقمق في الرسلية إليه بأشياء‏:‏ منها أنه كان يمد السماط بين يديه في بكرة أيام شهر رمضان وأنه سأل علي باي في الأكل معه من جملة عساكره فامتنع فقال له‏:‏ أمير علي باي بتتعب نفسك سخرة بني آدم هو مثاله مثال الزرع‏:‏ يطلع ويكبر ثم يحصد ويزول إلى الأبد وما ثم شيء ذلك فخل عنك ما أنت فيه وكل واشرب‏.‏

قال‏:‏ ثم سألت عن أصبهان من بعض خواصه عن أحواله فكان من جملة ما قاله إنه لا يتعبد على ملة من الملل منذ بلغ الحلم إلى يومنا بخلاف أخيه شاه محمد فإنه كان أولًا أيام أبيه قرا يوسف يصوم ويصلي ويظهر التنسك إلى أن مات أبوه فأظهر الميل إلى دين النصرانية وصار يتعبد على ملتهم‏.‏

فهذا الخبر عن شاه محمد وأصبهان وأضف إليهما إسكندر أيضًا فإنه كان أيضًا من هذه المقولة في الباطن ثم من بعدهم أخوهم جهان شاه بن قرا يوسف ملك في زماننا هذا فإنه أيضًا على طريقهم من الفسق والفجور والانهماك في المسكرات وجميع أفعاله في الباطن تقارب أفعال إخوته غير أنه يظهر خلاف ذلك لئلا ينفر الناس عنه وتسوء القالة فيه وقد استوعبنا أحوال هؤلاء الفسقة في تاريخنا الصافي والمستوفى بعد الوافي بأوسع من هذا فلينظر هناك‏.‏

ثم في يوم الأربعاء أول ذي القعدة توجه الأمير جقمق العلائي أمير سلاح إلى مكة المشرفة حاجًا وسار معه كثير ممن قدم من المغاربة وغيرهم وبسط بالإحسان إليه ذهابًا وإيابًا‏.‏

قال المقريزي‏:‏ وفي هذه السنة يعني عن سنة سبع وثلاثين طلق رجل من بني مهدي من أرض البلقاء امراته وهي حامل فنكحها رجل غيره ثم فارقها فنكحها رجل ثالث فولدت عنده ضفدعًا في قدر الطفل فأخذوه ودفنوه خوف العار‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثالث محرم سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة قدم قاصد قرايلك صاحب آمد بكتاب قرايلك ومعه تسعة أكاديش تقدمة للسلطان ودراهم قليلة عليها اسم السلطان لا غير فلم يحسن ذلك ببال أحد‏.‏

ثم في يوم الاثنين حادي عشر المحرم سنة ثمان وثلاثين المذكورة أمسك السلطان الأمير بردبك الإسماعيلي أحد امراء الطبلخانات وحاجب ثاني وأخرجه إلى دمياط وأنعم بإقطاعه على الأمير تغري بردي البكلمشي المعروف بالمؤذي أحد رؤوس النوب وخلع على الأمير جانبك السيفي يلبغا الناصري المعروف بالثور المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية باستقراره حاجبًا ثانيًا عوضًا عن بردلك الإسماعيلي المقدم ذكره‏.‏

وفي هذا الشهر أيضًا خلع السلطان على دولات خجا وأعيد إلى ولاية القاهرة عوضًا عن التاج بن سيفة الشوبكي‏.‏

ثم قي يوم الخميس سابع عشرين المحرم عملت الخدمة السلطانية بالإيوان المسمى دار العدل من قلعة الجبل بعد ما هجرت مدة لقدوم رسول القان معين الدين شاه رخ بن تيمور ملك المشرق‏.‏

وأحضر الرسول المذكور إلى الموكب بدار العمل وقد هاله ما رآه من حسن زي هذا الموكب‏.‏

وكان الرسول المذكور من أشراف شيراز يقال له السيد تاج الدين علي فحضر تاج الدين المذكور إلى بين يدي السلطان ولم يقبل الأرض لكونه من السادة الأشراف‏.‏

ودفع ما على يده من الكتاب ثم قدم ما معه من الهدية فتضمن كتابه وصول هدية السلطان المجهزة إليه وأنه نذر أن يكسو الكعبة البيت الحرام وطلب أن يبعث إليه من يتسلمها ويعلقها من داخل البيت‏.‏

وتاريخ الكتاب في ذي الحجة سنة ست وثلاثين‏.‏

وكان قدوم القاصد من هراة إلى هرمز ومن هرمز إلى مكة ثم قدم صحبة ركب الحاج فأنزله السلطان بمكان وأجرى عليه ما يليق به من الرواتب‏.‏

واشتملت هدية شاه رخ المذكور على ثمانين ثوب حرير أطلس وألف قطعة فيروزج ليست بذاك مبلغ قيمة الجميع ثلاثة آلاف دينار لا غير‏.‏

ثم في يوم السبت سادس صفر عقد السلطان مجلسًا بين يديه بالقضاة الأربعة بسبب نذر شاه رخ بن تيمور أن يكسو الكعبة فلما جلسوا للكلام بعد أن سألهم السلطان في معنى ذلك أجاب قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي بأن نذره لا ينعقد فلم يتكلم أحد وانفض المجلس على ذلك‏.‏

وصار السلطان يقول‏:‏ للعيني مندوحة في منع شاه رخ من الكسوة‏.‏

ثم عين السلطان الأمير أقطوه الموساوي الظاهري برقوق للتوجه إلى شاه رخ برد الجواب صحبة قاصده‏.‏

انتهى‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشر المذكور ثارت مماليك السلطان الجلبان سكان الطباق بقلعة الجبل وطلبوا القبض على مباشري الدولة بسبب تأخر جوامكهم ففر المباشرون منهم ونزلوا إلى بيوتهم فنزل في أثرهم جمع كبير‏.‏

منهم ومضوا إلى بيت عبد الباسط ناظر الجيش ونهبوه وأخذوا ما قدروا عليه‏.‏

ثم خجوا وقصدوا بيت الوزير أمين الدين بن الهيصم وبيت الأستادار كريم الدين ابن كاتب المناخ ونهبوهما أيضًا ولم يقدروا على قبض أحد من هؤلاء الثلاثة لفرارهم منهم وغلقت الأسواق وخاف كل أحد على بيته‏.‏

هذا وقد صمم المماليك على الفتك بعبد الباسط‏.‏

والعجب أن

 السلطان يغضب لعبد الباسط

بل انحرف عليه وأمر بنفيه إلى الإسكندرية لكسر الشر ولم يقع منه في حق مماليكه المذكورين أمر من الأمور إما لمحبته فيهم أو لبغضه في عبد الباسط‏.‏

ولزم عبد الباسط داره وتردد الناس للسلام عليه والسلطان مصمم على سفره إلى ثغر الإسكندرية‏.‏

وأصبح الناس يوم الثلاثاء سادس عشره وإذا بهجة عظيمة فغلقت جميع شوارع المدينة لإشاعة كاذبة بأن المماليك قد نزلوا ثانيًا لنهب بيت عبد الباسط فاضطرب الناس وهرب عبد الباسط من داره وانزعج إلى الغاية فكان هذا أعظم وأشنع من يوم النهب‏.‏

ثم ظهر للناس أن المماليك لم يتحركوا ولا نزل منهم‏.‏

وأما عبد الباسط فإنه لا زال يسعى ويتكلم له خواص السلطان في‏.‏

خروجه إلى الإسكندرية حتى تم له ذلك وطلع إلى القلعة في يوم سابع عشره بعد أن التزم عبد الباسط بأن يقوم للوزير من ماله بخمسمائة ألف درهم مصرية تقوية له وأن السلطان يساعد أستاداره كريم الدين بعليق المماليك شهرًا هذا بعد أن قدم عبد الباسط للأشرف تقدمة من المال في خفية من الناس لإقامة حرمته ولم يخف ذلك عن أحد‏.‏

وأخذ أمر عبد الباسط في انحطاط وصار السلطان يهدده إن لم يل الأستادارية هو أو مملوكه جانبك وهو يتبرم من ذلك كله‏.‏

ثم استعفى الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم من الوزارة فعين السلطان شمس الدين بن سعد الدين بن قطارة القبطي لنظر الدولة وألزمه بتكفية يومه‏.‏

ورسم السلطان بطلب أرغون شاه النوروزي من دمشق وهو يومذاك أستادار السلطان بدمشق ليستقر في الوزارة عوضًا عن ابن الهيصم على عادته قديمًا بعدما عرض السلطان الوزارة على الأستادار كريم الدين ابن كاتب المناخ فأبى كريم الدين قبول ذلك وقال‏:‏ يا مولانا السلطان يختار السلطان إما أكون وزيرًا أو أستادارًا‏.‏

وأما جمعهما معًا فلا أقدر على ذلك‏.‏

فغضب السلطان عليه وهم بضربه ومسكه فضمنه القاضي سعد الدين ابن كاتب جكم ناظر الخاص ونزل الجميع إلى دورهم إلى أن عملت مصالح الجماعة‏.‏

فلما كان يوم السبت عشرين صفر خلع السلطان على أستاداره الصاحب كريم الدين باستمراره وخلع على الصاحب أمين الدين بن الهيصم باستقراره في نظر الدولة على عادته قديمًا كما كان قبل الوزارة وألزمه بتكفية الدولة إلى حين قدوم أرغون شاه من الشام وانفض الموكب‏.‏

فلما نزل الصاحب أمين الدين بالخلعة إلى داره اختفى في ليلة الاثنين ولم يعلم له خبر‏.‏

فأصبح السلطان في يوم الاثنين ثاني عشرينه أمسك الصاحب كريم الدين الأستادار وخلع في الحال على جانبك دوادار عبد الباسط باستقراره أستادارًا عوضًا عن صاحب كريم الدين بن كاتب المناخ فلبس جانبك الخلعة ولم يقدر عبد الباسط أن يتكلم في حقه كلمة واحدة‏.‏

وكان قصد الملك الأشرف أنه متى تكلم أو تمنع عبد الباسط من ذلك قبض عليه فأحس عبد الباسط بالشر فكف عن الكلام‏.‏

ثم ألزم السلطان القاضي سعد الدين إبراهيم ابن كاتب جكم ناظر الخواص بوظيفة الوزارة فلم يوافق على ذلك وانفض المجلس على ذلك‏.‏

وفي هذا اليوم خرج قاصد شاه رخ الشريف تاج الدين من الديار المصرية إلى جهة مرسله وصحبته الأمير أقطوه الموساوي وعلى يده هدية من السلطان إلى شاه رخ المذكور وكتاب جواب كتابه يتضمن منعه من كسوة الكعبة بأن العادة قد جرت قديمًا وحديثًا أن لا يكسو الكعبة إلا ملوك مصر والعادة اعتبرت في الشرع في مواضع وأن للكسوة أوقافًا تقوم بعملها لا يحتاج إلى مساعدة في ذلك وإن أراد الملك وفاء نذره فليبع الكسوة ويتصدق بثمنها في فقراء مكة فهو أكثر ثوابًا حيث يتعدى نفع ذلك إلى جماعة كبيرة وأشياء من هذه المقولة‏.‏

ثم في يوم الخميس خامس عشرينه بعد انقضاء الموكب من القصر وتوجه السلطان إلى الحوش على العادة غضب على القاضي سعد الدين إبراهيم ناظر الخواص بسبب تمنعه من ولاية الوزارة وأمر به فضرب بين يديه ضربًا مبرحًا ثم أقيم ونزل إلى داره‏.‏

ثم طلب السلطان الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ من محبسه بالقلعة وأمر به فعري من ثيابه وضربه بالمقارع زيادة على مائة شيب ثم ضربه على أكتافه بالعصي ضربًا مبرحًا وعصرت رجلاه بالمعاصير ثم أعيد إلى محبسه يومه وأنزل من الغد في يوم الجمعة على بغل في أسوإ حال ومضي به إلى بيت التاج وإلى القاهرة كان وهو يومذاك شاد الدواوين ليورد ما ألزم به بعد أن حوسب فوقف عليه خمسة وخمسون دينار ذهبًا صولح عنها بعشرين ألف دينار فنزل إلى بيت التاج وأخذ في بيع موجوده وإيراد المال المقرر عليه إلى أن أفرج عنه في ثامن عشر ربيع الأول بعدما حمل نحو العشرين ألف دينار وضمنه فيما بقي أعيان الدولة‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء أول شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين المذكورة خلع السلطان على القاضي سعد الدين ناظر الخواص خلفة الرضى والاستمرار على وظيفته نظر الخواص وخلع على أخيه القاضي جمال الدين يوسف ابن القاضي كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب جكم باستقراره وزيرًا على كره منه بعد تمنع زائد وكان منذ تغيب ابن الهيصم لا يلي الوزارة أحد والقاضي سعد الدين ناظر الخاص يباشرها ويسدد أمورها من غير لبس تشريف فغرم فيها جملة كبيرة لعجز جهاتها عن مصارفها‏.‏

والقاضي جمال الدين يوسف المذكور هو عظيم الدولة في زماننا هذا وناظر جيشها وخاصها كان وهي أول ولاياته للمناصب الجليلة على ما يأتي ذكر ولاياته لغيرها مفصلًا في هذا الكتاب وغيره‏.‏

وخلع السلطان على شمس الدين بن قطارة باستقراره ناظر الدولة فكان الوزير وناظر الدولة في طرفي نقيض فالوزير في الغاية من حسن الشكالة والزي البهيج وسنه دون العشرين سنة وناظر الدولة في الغاية من قبح الشكالة والزي الرديء وسنه نحو السبعين سنة انتهى‏.‏

ثم في يوم الأحد رابع شهر ربيع الأخر قدم الأمير أرغون شاه النوروزي الأعور أستادار السلطان بدمشق إلى مصر بطلب حسبما تقدم ذكره ليلي الوزارة‏.‏

وطلع إلى القلعة من الغد بتقادم جليلة وخلع عليه باستمراره على أستادارية السلطان بدمشق على عادته‏.‏

وفي هذا ثم في جمادى الأولى وقع الشروع في حركة السلطان إلى السفر لقتال قرائلك والفحص أيضًا عن جانبك الصوفي‏.‏

وفي خامس عشره خلع على دولات خجا والي القاهرة باستقراره في ولاية منفلوط وشغرت الولاية إلى يوم الأحد سابع عشره فاستقر فيها علاء الدين علي بن الطبلاوي‏.‏

ثم في يوم السبت أول جمادى الآخرة خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ باستقراره كاشف الوجه القبلي ورسم السلطان أن يستقر محمد الصغير المعزول عن الكشف قبل تاريخه دوادار الصاحب كريم الدين وأمير علي الذي كان كاشفًا بالوجه القبلي والوجه البحري رأس نوبته ونزل إلى داره من القلعة في موكب جليل كل ذلك والصاحب كريم الدين لم يتغير زيه من لبس الكتبة ولم يلبس الكلفتاه ولا تقلد بسيف‏.‏

وكان الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم قد خرج من اختفائه وطلع إلى السلطان بشفاعة الأمير إينال الأبو بكري الأشرفي الخازندار فطلبه السلطان هذا اليوم وخلع عليه باستقراره شريكًا لعبد العظيم بن صدقة الأسلمي في نظر ديوان المفرد‏.‏

ثم في يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة المذكورة أمسك السلطان القاضي سعد الدين إبراهيم ناظر الخاص وأخاه الصاحب جمال الدين يوسف رسم عليهما ثم أفرج عنهما من الغد وخلع على سعد الدين المذكور باستمراره وأعفي الصاحب جمال الدين من الوزارة بعد أن ألزمهما بحمل ثلاثين ألف دينار‏.‏

وألزم السلطان تاج الدين عبد الوهاب بن الشمس نصر الله الخطير لبن الوجيه توما ناظر الإسطبل بولاية الوزارة وخلع عليه من الغد في يوم الثلاثاء ثامن عشره فباشر ابن الخطير هذه الوزارة أقبح مباشرة من العجز والتشكي والقلق وعدم القيام بالكلف السلطانية مع قيام السلطان معه وإقامه حرمته وهو مع ذلك يزداد في أعين الناس إلا بهدلة‏.‏

وظهر منه في أيام مباشرته الوزارة حدة زائدة وطيش وخفة بحيث إنه جلس مرة للمباشرة فكثر الناس عنده لقضاء حوائجهم فضاق خلقه منهم فقام إلى باب الدخول وضم جميع سراميج الناس الذين كانوا في مجلسه في ذيله وخرج حافيًا إلى خارج داره وألقاهم إلى الأرض ودخل بسرعة وقال‏:‏ اخرجوا إلى سراميجكم لا يأخدوها فقال له بعضهم‏:‏ تعيش رأس مولانا الصاحب‏.‏

وسخر الناس من ذلك مدة طويلة وهو إلى الآن في قيد الحياة يتشحط في أذيال الخمول انتهى‏.‏

ثم في يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الآخرة المذكورة أنعم السلطان على تمراز المؤيدي الخازندار بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق بعد موت الأمير أركماس الجلباني وأنعم بطبلخانة تمراز المذكور على الأمير سنقر العزي الناصري نائب حمص بعد عزله عن نيابة حمص بالأمير ثم في يوم الأحد ثالث عشرينه خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة ومقدم العساكر الأمير الكبير إينال الجكمي والأمير جقمق أمير سلاح والأمير يشبك حاجب الحجاب والأمير قاني باي الحمزاوي في عدة من الأمراء‏.‏

وسبب ذلك أن لبيدًا قدم منهم طائفة إلى السلطان بهدية وسألوا أن ينزلوا البحيرة فلم يجابوا إلى ذلك ولكن خلع عليهم وتوجهوا فعارضهم أهل البحيرة في طريقهم وأخذوا منهم خلعهم‏.‏

وكان السلطان يلهج كثيرًا بإخراج تجريدة إلى البحيرة فبلغهم ذلك فأخذوا حذرهم‏.‏

واتفق مع ذلك أن شتاء هذه السنة لم يقع فيه المطر المعتاد بأراضي مصر فقدمت طائفة من لبيد إلى البحيرة لمحل بلادهم وصالحوا أهل البحيرة وساروا إلى محارب وغيرها بالوجه القبلي لرعي الكشيح من أراضي البور من أعمال الصعيد وكان السلطان قد كتب إلى كاشف الصعيد بأن لا يمكنهم من المراعي حتى يأخذ منهم مالًا فغضبوا من ذلك وأظهروا الخلاف فخرجت إليهم هذه التجريدة المقدم ذكرها‏.‏

وفي هذا الشهر ندب السلطان قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر أن يكشف عن شروط واقفي المدارس والخوانك ويعمل بها فسر الناس بذلك غاية السرور وكثر الدعاء للسلطان بسبب ذلك فبدأ أولًا بمدرسة الأمير صرغتمش بخط الصليبة وقرأ كتاب وقفها وقد حضر معه القضاة الثلاثة فأجمل ابن حجر في الأمر فلم يعجب الناس ذلك لاستيلاء المباشرين على الأوقاف والتصرف فيها بعدم شرط الواقف وضياع مصالحها فشد في ذلك وأراد عزل جماعة من أرباب وظائفها فروجع في ذلك وانفض المجلس وقد اجتهد الأكلة في السعي بإبطال ذلك حتى أبطله السلطان‏.‏

قلت‏:‏ ولو ندب السلطان لهذا الأمر أحد فقهاء الأمراء والأجناد الذين هم أهل الدين والصلاح لينظر في ذلك بالمعروف لكانت هذه الفعلة تقاوم فتحه لقبرس لضياع مصالح أوقاف الجوامع والمساجد بالديار المصرية والبلاد الشامية لاستيلاء الطمعة عليها وتقريرمن لا يستحق في كثير من وظائفها بغير شرط الواقف ومنع من يستحق العطاء بشرط الواقف ولهذا قررت الملوك السالفة وظيفة نظر الأوقاف لهذا المعنى وغيره فترك ذلك وصار الذي يلي نظر الأوقاف شريكًا لمن تقدم ذكره فيما يتناولونه من ريع الأوقاف والكلام فيما يعود نفعه عليه من جهة حل وقف وبيعه أو لواحد استولى على جهة وقف وأكله بتمامه فيبعث خلفه ويبلصه في شيء له ولأعوانه ويترك الذي قررت هذه الوظيفة بسببه من قديم الزمان وهو ما تقدم ذكره من النظر في أمر الأوقاف والعمل فيما يعود نفعه على الوقف وعلى أرباب وظائفه من الفقهاء ثم في يوم الاثنين ثامن شهر رجب أدير المحمل على العادة في كل سنة‏.‏

ثم في يوم الأربعاء خامس عشر شعبان وصل سيف الأمير طرباي نائب طرابلس فرسم السلطان بنقل الأمير‏.‏

جلبان نائب حماه إلى نيابة طرابلس عوضًا عن طرباي‏.‏

وأصبح من الغد في يوم الخميس سادس عشر شعبان خلع السلطان على الأمير قاني باي الحمزاوي أحد مقدمي الألوف باستقراره في نيابة حماه ونعم بإقطاع قاني باي الحمزاوي وتقدمته على الأمير خجا سودون السيفي بلاط الأعرج وأضاف طبلخانة خجا سودون المذكور إلى الدولة تقوية للوزير التاج الخطير‏.‏

وفي هذا الشهر خرج الأمير قرقماس الشعباني نائب حلب منها بالعساكر ونزل العمق على ما سنحكيه بعد عوده إلى حلب مفصلًا‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء رابع شوال قدم على السلطان كتاب القان شاه رخ ملك الشرق يتضمن الوعيد وأنه عازم على زيارة القدس الشريف وأرعد في كتابه وأبرق وأنكر على السلطان أخذ الرشوة من القضاة وأخذ المكوس من التجار ببندر جدة وتعاطيه نوع المتجر فلم يلتفت السلطان إلى كلامه ولا استوعب الكتاب لآخره بل طلب التاج ابن سيفة وخلع عليه بإعادته إلى ولاية القاهرة عوضًا عن علاء الدين علي بن الطبلاوي بحكم عزله ولزومه داره بعدما غرم ركب الأهوال في زورته ثم ماسلم حتى ودعا ثم في ثامن عشره خرج محمل الحاج صحبة أمير الحاج الأمير تمرباي التمربغاوي الدوادار الثاني وأمير الركب الأول الأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله محتسب القاهرة‏.‏

وحجت في هذه السنة خوند فاطمة بنت الملك الظاهر ططر زوجة السلطان الملك‏.‏

وفي هذا الشهر ظهر الأمير جانبك الصوفي ببلاد الروم وكان السلطان من يوم فر من سجن الإسكندرية إلى يومنا هذا لم يقف له على خبر بعد أن اجتهد في تحصيله غاية الاجتهاد وأوذي بسببه خلائق لا تدخل تحت حصر فأخذ السلطان في خبره وأعطى إلى أن قدم عليه في أواخر هذا الشهر كتاب الأمير قرقماس نائب حلب بذلك‏.‏

وكان خبر معرفة قرقماس بظهوره أنه وصل معه إلى حلب في يوم الثلاثاء حادي عشر شوال رجل تركماني يقال محمد كان قبض عليه قرقماس بالعمق ومعه كتاب جانبك المذكور في سابع شوال إليه وإلى غيره فسجنه قرقماس بقلعة حلب وجهز الكتب في ضمن كتابه إلى السلطان فلما بلغ السلطان ذلك وتحققه انزعج غاية الانزعاخ‏.‏

ثم قدم كتاب الأمير بلبان نائب درندة أنه ورد عليه كتاب الأمير جانبك الصوفي يدعوه إلى طاعته فقبض على قاصده وحبسه وأرسل بكتابه إلى السلطان‏.‏

ثم في يوم السبت سابع عشرين ذي القعدة عاد الأمير قرقماس نائب حلب إليها بعد ما كانت غيبته عنها بالعمق ومرج دابق وعينتاب خمسة وسبعين يومًا وقد فاته أخذ قيصرية لاستيلاء إبراهيم بن قرمان عليها وكان قصد السلطان أخذها واستنابة أحد من أمراء السلطان بها‏.‏

قلت‏:‏ ولنذكر ما وعدنا بذكره لسبب سفر قرقماس نائب حلب منها وسببه أن الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان صاحب لارندة وقونية من بلاد الروم أراد أخذ مدينة قيصرية من الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر وقد تغلب عليها ناصر الدين المذكور وأخذها من بني قرمان وولى عليها ابنه سليمان فترامى ابن قرمان في هذه الأيام على السلطان بأن يملكه قيصرية ووعد بعشرة آلاف دينار في كل سنة وثلاثين بختيًا وثلاثين فرسًا سوى خدمة أركان الدولة‏.‏

فكتب السلطان إلى نائب حلب أن يخرج إلى العمق ويجمع العساكر لأخذ قيصيرية فخرج قرقماس إلى العمق وجمع تركمان الطاعة وكتب إلى ابن قرمان أن يسير بعسكره إلى قيصرية‏.‏

فلما بلغ ابن دلغادر خروج عسكر حلب لأخذ قيصرية منه بعث في الحال بامرأته خديجة خاتون بتقدمة للسلطان ومعها مفاتيح قيصرية وأن يكون زوجها المذكور نائب السلطنة بها وأن يفرج عن ولدها فياض المقبوض عليه قبل تاريخه من سجنه بقلعة الجبل ووعد لذلك أيضًا بمال‏.‏

فقدمت خديجة خاتون المذكورة في أواخر شوال إلى مصر وقدمت ما معها من الهدية وتكلمت بما هو غرض زوجها فقبل هديتها وأفرج لها عن ولدها فياض وخلع عليه بنيابة مرعش‏.‏

وبينما السلطان في ذلك كان نزول قرقماس نائب حلب فى يوم الاثنين أول ذي القعدة من العساكر على عينتاب فأتاه الخبر بأن حمزة بن دلغادر خرج عن طاعة السلطان بمن معه وتوجه إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر بعدما بعث إليه وحلفه وأن دوادار جانبك الصوفي ومحمد بن كندغدي بن رمضان التركماني وصلا إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بأبلستين وحلفاه أنه إذا قدم عليه الأمير جانبك الصوفي لا يسلمه إلى أحد ولا يخذله وأن جانبك كان عند الأمير إسفنديار أحد ملوك الروم فسار من عنده يريد سليمان بن دلغادر فخرج إليه سليمان وتلقاه هو وأمراء التركمان‏.‏

وقبل أن يصل هذا الخبر إلى السلطان جهز خديجة خاتون إلى العود إلى زوجها ناصر الدين بك فخرجت خديجة ومعها ولدها فياض وسارت والسلطان ليس له علم بما وقع لابن دلغادر مع جانبك الصوفي‏.‏

واستمر قرقماس على عينتاب إلى أن بلغه أن الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان جمع عساكره ونزل على قيصرية فوافقه أهلها وسلموها له وفر سليمان بن ناصر الدين بك منها فبلغه ظهور جانبك الصوفي وأنه اجتمع عليه الأمير أسلماس بن كبك ومحمد بن فقدم سليمان على أبيه ناصرالدين بأبلستين ولم يبلغهما إلى الآن خبر الإفراج عن ولده فياض وخروجه من مصر مع أمه خديجة وأخذ ناصر الدين بك يداري السلطنة ليفرج عن ابنه فياض وندب ابنه سليمان لقتال أعوان جانبك الصوفي كل ذلك قبل أن يرد عليه جانبك الصوفي بمدة وقيل إنه كان أتاه خفية‏.‏

وبينما هم في ذلك وصلت خديجة خاتون وولدها فياض إلى زوجها ناصر الدين محمد بن دلغادر فبلغ ناصر الدين مراده بالإفراج عن ولده وترك مداراة السلطان‏.‏

وانضم إلى جايبك الصوفي حسبما نذكره في مواضعه من هذه الترجمة إن شاء الله تعالى‏.‏

وبلغ ذلك قرقماس نائب حلب فعاد من سفرته بغير طائل‏.‏

ومن يومئذ اشتغل فكر السلطان الملك الأشرف بأمر جانبك الصوفي وتحقق أمره بعدما كان يظنه وأخذ في عزل جماعة من النواب ممن يخشى شرهم وتخوف من قرقماس تخوفًا عظيمًا في الباطن لئلا يميل إلى جانبك الصوفي‏.‏

فأول ما بدأ به السلطان أن عزل الأمير قانصوه النوروزي عن نيابة طرسوس ونقله إلى حجوبية الحجاب بحلب عوضًا عن الأمير طوغان السيفي تغري بردي أحد مماليك الوالد ونقل طوغان المذكور إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق واستقر الأمير جمال الدين يوسف ابن قلدر في نيابة طرسوس عوضًا عن قانصوه‏.‏

ثم في صفر من سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان أن شاه رخ بن تيمورلنك أرسل إلى السلطان مراد بك ابن عثمان متملك الروم وإلى الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان المقدم ذكره وإلى قرايلك وأولاده وإلى ناصر الدين بك بن دلغادر بخلع على أنهم نوابه في ممالكهم فلبس الجميع خلعه فشق ذلك على السلطان من كون ابن عثمان لبس خلعته حتى قيل له إنه فعل ذلك في مجلس أنسه استهزاء به‏.‏

قلت‏:‏ لبس الخلعة والفشارما إليه‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثاني شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين المذكورة خلع السلطان على القاضي شرف الدين أبي بكر نائب كاتب السر باستقراره في كتابة سر حلب عوضًا عن زين الدين عمر بن السفاح بعد امتناع شرف الدين من ذلك أشد امتناع‏.‏

وسبب ذلك أن ابن السفاح المذكور كتب إلى السلطان مرارًا عديدة بالحط على قرقماس نائب حلب وأنه يريد الوثوب على السلطان والخروج عن الطاعة وآخر ما ورد كتابه بذلك في نصف صفر من هذه السنة أعني سنة تسع وثلاثين‏.‏

فلما وقع ذلك كتب السلطان إلى الأمير قرقماس المذكور بالحضور وقد يئس السلطان من حضوره لما قوي عنده من خروجه عن الطاعة وقلق السلطان قلقًا زائدًا بعدما طلبه خوفًا من عدم حضوره فلم يكن بأسرع من مجيء نجاب قرقماس نائب حلب المقدم ذكره في خامس عشرين صفر يستأذن في قدوم قرقماس إلى الديار المصرية وقد بلغه شيء مما رمي به‏.‏

فغضب السلطان عند ذلك على زين الدين عمر بن السفاح ورسم بعزله واستقرار شرف الدين المذكور عوضه وتحقق السلطان أنه لو كان قرقماس مخامرًا لما استأذن في الحضور فسر السلطان بذلك وكتب له الجواب بأنه تقدم الطلب له‏.‏

وأما قرقماس فإنه لما ورد عليه الطلب من السلطان خرج على الفور من حلب على الهجن في خواصه وسار حتى قدم إلى خارج القاهرة في يوم الجمعة سادس شهر ربيع الأول المذكور وطلع من الغد إلى القلعة فلم يخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار لكونه استعفى عن نيابة حلب فما صدق السلطان بأنه تلفظ بذلك‏.‏

ولما كان يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير الكبير إينال الجكمي أتابك العساكر بالديار المصرية باستقراره في نيابة حلب عوضًا عن الأمير قرقماس الشعباني المقدم ذكره وخلع على الأمير جقمق العلائي أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن إينال الجكمي وخلع على قرقماس نائب حلب باستقراره أمير سلاح عوضًا عن الأمير جقمق العلائي‏.‏

وكان استقرار إينال الجكمي بعد الأتابكية في نيابة حلب بخلاف القاعدة غير أن السلطان أكرمه غاية الإكرام ووعده بنيابة دمشق لطول مرض الأمير قصروه نائب الشأم‏.‏

وبالغ حتى إنه أسر له إن مات قصروه قبل وصول إينال إلى حلب فليقم بدمشق حتى يرسل إليه السلطان بنيابتها‏.‏

وظهر أيضًا ثم في سابع عشره خلع السلطان على الأمير الكبير جقمق العلائي بنظر البيمارستان المنصوري على العادة‏.‏

وورد الخبر على السلطان‏:‏ أن بمدينة بروسا التي يقال لها برصا من بلاد الروم وباء عظيمًا دام بممالك الروم نحو أربعة أشهر‏.‏